هل نحن فعلاً فضوليون؟ كلما زادت معرفتنا، زادت أيضًا الأسئلة التي نطرحها.
بقلم ليان توماسيفيتش رئيسة Truth الاستشارية
كم مرة سمعت أو استخدمت فيها كلمة “فضول” بمجال البحوث الاستشارية؟ هل نحتاج حقًا إلى الفضول؟ وهل حب الاستطلاع هو ما يساعدنا على التقدم في مجالنا؟ وماذا يجب أن نفعله لتنمية هذا الفضول؟
أن تعلم ما ينتظرك هو مقبرة الشغف
من المثير للاهتمام أن بعض أهم الأبحاث الرائدة في مجال العلاقات الشخصية تدور حول تعزيز الفضول. فهي تشير إلى أن الشعور بالتواصل القوي مع الشريك يتحقق من خلال الحفاظ على درجة من الغموض بيننا. ولإنشاء ذلك، عليك أن تتبع أسلوبًا قائمًا على حب الاستطلاع وأن تخصص وقتًا لمعرفة المزيد عن شريكك من خلال الأسئلة التي تطرحها.
يُقال أن الحب يقلص المسافات بين الناس (وهو أمر إيجابي)، إلا أنه يمكن أن يجعلنا نعتقد أننا نعرف كل شيء عن الشخص الآخر وأنه لا يوجد شيء آخر نتحمس لتعلمه.
تشبه هذه الحالة الوضع في مجال البحوث، فغالبًا ما نعتقد أننا نعرف الإجابات قبل طرحها. ونعتقد أننا نعرف ملخص المعلومات قبل كتابتها. وتماما مثل تواصلنا مع الأشخاص المقربين لنا، قد نفقد الإحساس بالمجهول والإثارة التي ترافق معرفة شخص أو موضوع جديد.
وما قد يحدث في نهاية المطاف هو أننا نقوم بطرح نفس الأسئلة المتوقعة مع عدم الاستماع حقًا إلى الإجابات. إذا ما ينقصنا هنا هو التجديد، والاهتمام، وروح الفضول، والتقصي.
فكر في نقاش دار بينك وبين شريكك مؤخرًا. هل سألتهم كيف كان يوم عملهم؟ ما هي الإجابة التي حصلت عليها؟ هل تعلمت شيئا غير متوقع مقارنة بطرح نفس السؤال في الليلة التي سبقتها؟ وهل تعاملت مع السؤال وشريكك بنفس القدر من الفضول؟
بدلا من طرح نفس السؤال كل يوم، لم لا نكون أكثر تحديدا. اسألهم “كيف جرى الاجتماع هذا الصباح؟”. أو تجاوز الروتين اليومي واسألهم عن شعورهم وما الذي يتطلعون إليه.
ولتشجيع المزيد من الفضول، تظاهر بأنك لا تعرف أي شيء عنهم. تبنى فلسفة سقراط، وهي الاعتراف والقبول بأن الجهل هو أفضل أساس لاكتساب المعرفة، “أنا لا أعرف ولا أعتقد أنني أعرف”. وقبل أن تصل إلى المنزل الليلة، تخيل أنك لم تلتقِ بشريكك من قبل – كيف ستغير هذه الفكرة أنواع الأسئلة التي تطرحها؟ وهل ستحصل على نفس الإجابات القديمة؟
لنعد إلى موضوعنا الأساسي، فهذه المقالة لا تتعلق بكيفية تحسين العلاقات الزوجية على الرغم من أنني أشجعكم على طرح أسئلة مختلفة والتعامل معها بمزيد من الغموض.
يتعلق محور حديثنا حول أن طرح نفس الأسئلة القديمة، سيؤدي إلى تلقي نفس الإجابات القديمة. وأننا نخاطر بإعادة سرد ما هو معلوم.
احتضان المجهول – اطرح المزيد من الأسئلة
تتفاقم المشكلة عندما نكون غارقين في البيانات والمعلومات، والتي تجعلنا نقتنع بأن الإجابات متواجدة بالقرب منا طوال الوقت، وأننا لا نحتاج حقا إلى طرح الأسئلة.
لكن حقيقة الأمر هي أنه كلما زادت معرفتنا، كلما زادت الأسئلة التي علينا طرحها.
لننظر مثلا إلى ChatGPT الذي تمكن مؤخرا من تحقيق درجات عالية في واجب منزلي سلمه ابني لمدرسته في لندن. لقد كان روبوت الدردشة جيدا جدا في إجاباته، لكن ذلك يعود في مجمله إلى الطريقة التي تمت بها استجوابه.
نظرا لسهولة العثور على إجابات في عالم الإنترنت، تركز المدارس بشكل أكبر على ما يسمونه بالتعلم “المعكوس”. حيث يتم تشجيع الطلاب على البحث وإعداد الأفكار والأسئلة بناء على ما تعلموه، بدلا من إنتاج المقالات. وهذا التفكير النقدي والمشجع للتساؤل هو ما يتم تدريسه وتقييمه، على عكس قدرة الطالب على التوصل إلى إجابة على السؤال.
وفيما يتعلق بمجال البحوث، غالبا ما نركز على محاولة الوصول إلى الإجابات. لتقديم التوصيات والحلول. فهي وظيفتنا. ولكن هل يمكننا التعلم من مدارسنا وتجربة قلب الموازين المعتادة؟ هل يعتبر تركيزنا المفرط على جمع المعلومات ومراكمة المعرفة عائقا أما إيجاد طرق جديدة للسؤال والتفكير؟
لطالما قالوا لنا: تجاوزوا البيانات. تجاوزوا ما هو واضح. للتوصل للإجابة.
ولكن مما تعلمناه عن أهمية الفضول وأسلوب ChatGPT هو أن جمع الإجابات هو ليس العنصر الأهم لبناء روابط متينة وتحقيق نتائج قوية. بل وقد نذهب أبعد من ذلك للقول بأنها قد تكون عاملا في غلق العقول والمحادثات وتقليل الإثارة التي تصاحب فكرة وجود المزيد لاكتشافه.
حتى عندما نبني وجهة نظر محددة، وعندما يعتمد علينا جمهورنا في الحصول على المشورة، لا ينبغي أن نولي جل اهتمامنا لتقديم إجابة قاطعة. بدلا من ذلك، علينا قضاء المزيد من الوقت في التفكير في الأسئلة الجديدة التي ترافق إجاباتنا. وعندما نؤطر ما نعرفه وما هو الحل على هيئة سؤال فإننا ندعو إلى دفع الفضول، والمناقشة، والاتصال.
المشورة الاستراتيجية للشركات لا تتعلق بالصواب، ولا يجب عليك محاولة أن تكون الشخص الذي يحمل كل الإجابات. وفي الواقع، سيجعلك ذلك تبدو جاهلا بحسب فلسفة سقراط.
في المرة القادمة التي تقدم فيها عرضا تقديميا أو استراتيجية، لا تحاول أن تكون على حق، بل دع الجمهور يعرف أنك “تتسائل”. جرب الجهل المتعمد، واطرح حلولك كأسئلة. تحدي الجمهور للتساؤل فيما يعرفونه وما سمعوه. وسيجعلكم كل ذلك أكثر فضولا واستعدادا لعالم ChatGPT، الذي تتراجع فيه قيمة الإجابات لصالح التساؤلات.