تقرير تغير المناخ: الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الشرق الأوسط

مع التوقعات بتجاوز حجم الأصول العالمية التي تتبنى الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة 50 تريليون دولار بحلول عام 2025، تحولت الاستدامة إلى أولوية قصوى في جميع أنحاء العالم، من شركات إدارة الأصول وصولاً إلى الحكومات ومجالس إدارة الشركات.

ولا يشكل الشرق الأوسط استثناءً، بل يواكب هذا الاتجاه العالمي، حيث تلتزم الحكومات بتحقيق أهداف اقتصاد خال من انبعاثات الكربون، في الوقت الذي تسرع فيه العديد من الشركات خطط تبني ممارسات ومعايير الإفصاح عن الاستدامة. وتتمتع المنطقة بالإمكانيات والرغبة القوية في المساهمة بشكل أكبر في الاستدامة.

وبالرغم من ذلك، يمكن أن تختلف المقاربات المتعلقة بالاستدامة في الشرق الأوسط إلى حد ما. فهل ستستفيد الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في المنطقة والعالم إذا كان إعداد التقارير أكثر انسجاماً مع معايير موحدة؟

كيف تختلف الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الشرق الأوسط حالياً عن المناطق الأخرى؟

يتميز الشرق الأوسط من النواحي الثقافية والاقتصادية عن باقي أنحاء العالم، حيث تؤثر هذه التباينات أو الاختلافات حتماً في المقاربات المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة.

وفي حين أن الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الدول الأخرى تتلقى قوة دفع بشكل أساسي من متطلبات مديري الأصول والمؤسسات المالية وصناع القرار في الشركات، إلا أنها في الشرق الأوسط تتلقى قوة دفع أكبر من قبل الهيئات التنظيمية. ومع ذلك، فإن التوازن في المنطقة يتغير، حيث يتبنى المستثمرون والشركات الاستدامة بشكل كامل. وشهد عام 2022 تسارع هذا الاتجاه أكثر من أي وقت مضى.

إن تبني الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الشرق الأوسط مدفوع بالعديد من العوامل، أهمها:

1. ربط الاستدامة بالنمو

أولاً، تدرك الحكومات جيداً أن الاستدامة والمبادرات الخضراء عوامل ضرورية، ليس فقط من أجل البيئة ورفاهية الناس، ولكن من أجل استدامة النمو الاقتصادي أيضاً.

2. تأثيرات مقاييس الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة في العالم الحقيقي

ثانياً، يستخدم المستثمرون بشكل متزايد مقاييس الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة لدى اتخاذ قراراتهم الاستثمارية، ليس فقط لتقييم المخاطر، ولكن أيضاً لتحديد الآثار الواقعية لعمليات الشركات وفرص الاستثمار المستقبلية.

3. طلب المستهلك بممارسات مستدامة

ثالثاً، يطالب المستهلكون في المنطقة بممارسات مستدامة في المنتجات والخدمات التي يشترونها. وأظهر استطلاع حديث أجرته “بي دبليو سي” حول اتجاهات المستهلكين أن عوامل الاستدامة تؤثر على قرارات المستهلكين في الشرق الأوسط أكثر من نظرائهم العالميين (31% في الشرق الأوسط مقارنة بـ 18% عالمياً).

من منظور شركة مدرجة أو مُصدِرة، فإن الركائز الثلاث للاستدامة هي:

1. تحديد الهدف.

2. إدارة الأداء.

3. إعداد التقارير.

هل يمكن للتقارير الموحدة المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة التغلب على المعوقات التي تحول دون الإفصاح عن الاستدامة في الشرق الأوسط؟

مع التركيز على الركيزة الثالثة من هذه الركائز، اتخذت البورصات الإقليمية خطوات مهمة لتحسين عملية إعداد التقارير. ونشر كل من سوق دبي المالي وبورصة البحرين و”تداول السعودية” السعودية والإمارات العربية المتحدة ارشادات تتعلق بإعداد تقارير الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة أو المتطلبات الالزامية لإعداد التقارير في السنوات الأخيرة.

كيف يمكن أن يساعد إعداد التقارير الإلزامية بشأن الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة؟

يمكن أن يكون إعداد التقارير الإلزامي مفيداً جداً للشركات والمستثمرين، إذ يوفر لهم إطاراً واضحاً لاتباعه، بحيث يمكن مقارنة الكيانات المختلفة مع بعضها البعض باستخدام المقاييس نفسها. ومن المشاكل التي تعترض الشركات على مستوى العالم وفي المنطقة تجزئة المعايير.

ولحسن الحظ، تم اتخاذ خطوات واضحة على الصعيد العالمي نحو توحيد معايير إعداد التقارير. وفي المستقبل، من المحتمل أن يصبح مجلس معايير الاستدامة الدولية (ISSB) الحارس العالمي للإفصاحات المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة. وقد تم إنشاء مجلس معايير الاستدامة الدولية خلال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP26 في عام 2021، ويتضمن إفصاحات خاصة بالمناخ بالإضافة إلى الاستدامة العامة.

وستساعد زيادة توحيد المعايير، وبالتالي الشفافية، في تهدئة مجموعة من الهواجس التي غالباً ما تتكون لدى المستثمرين حول الشركات، بدءاً من مراقبة سلسلة التوريد وصولاً إلى إعداد التقارير الدقيقة عن الانبعاثات. وستتحسن عملية صنع القرار لدى المستثمرين، وستكون الشركات التي تستحق الاستثمارات أكثر قابلية لتخصيصها لهم.

عمل كثير يتعين القيام به بشأن الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، في الشرق الأوسط والعالم

يمكن أن يساعد توحيد معايير إعداد التقارير المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة وجعلها إلزامية، الشركات والاستثمارات، لكنه ليس دواءً سحرياً. ولا يمكن قياس جميع معايير الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، وقد لا تُترجم مباشرةً في تحسين أرباح الشركات أو الأداء. كما أن عمليات الإفصاح عن الاستدامة الحالية تبدو في الغالب منحازة نحو الإجراءات بعينها، وليس نحو الأداء الفعلي.

قد تبرز إشكالية معينة في حال تم تطبيق العوامل نفسها على الشركات في مناطق وقطاعات مختلفة ذات ممارسات تجارية مختلفة. إذ تواجه المناطق تحديات مختلفة يجب أخذها في الاعتبار عندما يتعلق الأمر بجودة البيانات، خصوصاً في الأسواق الناشئة مثل منطقة الخليج.

وتعد زيادة توحيد المعايير خطوة مفيدة عالمياً، ولكن يجب أن تكون المقاربات المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة فريدة لكل شركة. وتقوم شركات كثيرة في الشرق الأوسط الآن بتضمين الاستدامة في إستراتيجياتها وسلوكياتها المؤسسية. فهي باتت تفكر بشكل متزايد في تبني نهج “المحصلة النهائية الثلاثية” بينما توسع التزامها بشأن الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة. ويشمل هذا التوجه التأثيرات الاجتماعية والبيئية بالإضافة إلى الأداء المالي، أو بكل بساطة: “الربح، الناس وكوكب الأرض”.

دعونا نأمل أن يستمر هذا النهج في جميع أنحاء المنطقة خصوصاً مع استضافة مصر هذا الشهر الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP27.