وجهة نظر من الشرق الأوسط إضاءات حول أفضل ممارسات علاقات المستثمرين في السوق السعودية على مدى السنوات الـ 15 الماضية
بقلم: عبدالله السويلمي
مستشار أول للأسواق المالية وعلاقات المستثمرين | انستينكتيف بارتنرز | المملكة العربية السعودية
شكل إدراج “أرامكو السعودية” في السوق المالية “تداول السعودية” في عام 2019 لحظة تاريخية ومفصلية للمملكة العربية السعودية، حيث أصبح حافزاً لمزيد من النشاط المتسارع في السوق المالية السعودية. وقد دفع تقييم الشركة عند 1.87 تريليون دولار في أول يوم تداول لسهمها، وهو أكبر طرح عام أولي في العالم، بالسوق المالية “تداول السعودية” إلى دائرة الضوء عالمياً. وأثار الإدراج المزيد من الاهتمام العالمي بأكبر سوق مالية في المنطقة بسبب زيادة حجمها وسيولتها، واللوائح التنظيمية الداعمة، واتاحة تداول الأسهم أمام المستثمرين الأجانب.
وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، فيبدو جلياً أن هذا الإنجاز الرئيسي الكبير لم يكن ممكناً بدون عدد من التغييرات المهمة، سواء من حيث اللوائح التنظيمية والمواقفو البرامج، التي تم إطلاقها كجزء من “رؤية 2030” في السعوديةالمملكة.
وقد أدى إطلاق “رؤية 2030” في عام 2016 إلى تسريع التغيرات والتطورات في المملكة العربية السعودية بمقدار عشرة أضعافبشكل غير مسبوق، ويتلخص الهدف الجانب الاقتصادي للرؤية في تقليص اعتماد المملكة على النفط، وتنويع اقتصادها، وتطوير خدمات القطاع العام، واستقطاب المزيد من المواهب والاستثمارات العالمية.
وقد تم إطلاق برنامج تطوير القطاع المالي في عام 2017 في إطار “رؤية 2030” بهدف تطوير قطاع مالي متنوع وفعال يدعم تنمية الاقتصاد الوطني. وتشمل أهداف وطموحات البرنامج زيادة مشاركة المستثمرين الأجانب، وجذب المزيد من الشركات للإدراج في السوق المالية من خلال تطوير قطاعات جديدة وواعدة.
إنطلاقاً من مستوى النشاط المتزايد في السوق المالية السعودية، أصبح التركيز الطبيعي على برزت أهمية دور دور علاقات المستثمرين وأفضل الممارسات في هذا المجال. وفي الوقت الذي بدأت فيه السوق المالية السعودية بتشغيل محركات بتقديم برامج تعليمية وتثقيفية حول قيمة علاقات المستثمرين منذ عام 2010، ظلت عقليةركزت العديد من الشركات تلتزم فقط على الالتزام فقط باللوائح التنظيمية، مع اهتمام محدود بتطبيق تدابير إضافية لتعزيز الإفصاحات أو التفاعل الهادف مع السوق.
وبات الوضع الراهن يشهدلكن يشهد السوق حاليا تغيرات متسارعة، في ظل وجود قاعدة مستثمرين متطورة بشكل متزايد تدعو إلى تتطلب تحسين جودة وكمية الإفصاحات. وفي الوقت الذي تواجه فيه عملية التغيير بعض المقاومة، فإن العديد من الشركات الطموحة تقود تحولاً في ثقافة الشركات، وباتت تغتنم الفرص لإعلاء صوتها لإيصال رسالتها وتعزيز قصة الاستثمار الخاصة بها من خلال تبني أفضل الممارسات في مجال علاقات المستثمرين.
وبطبيعة الحال، بينما تدرك الشركات كيف يمكن استخدام اتصالات السوق الفعالة كوسيلة لتحقيق النجاح، فإنها تواجه أيضاً نقصاً شحاً في عدد مسؤولي علاقات المستثمرين المهرة المؤهلين. وقد شهدت المواهب النادرةالكفاءات معدلات دوران كبيرة في السوق السعودية، خصوصاً بين أولئك الذين يجمعون بين المعرفة المالية ومهارات الاتصال القوية. وعقد الفرع السعودي لجمعية علاقات المستثمرين في الشرق الأوسط (MEIRA) شراكة مع “تداول السعودية” لإطلاق برامج تدريب وشهادات معتمدة لتأهيل لمسؤولي علاقات المستثمرين المحتملين. وعلى المدى القصير، ستحتاج الشركات المدرجة إلى تحقيق التوازن بين الموارد الداخلية والخارجية لتطوير لتفعيل مهام علاقات المستثمرين الفعالة بشكل أفضل، لتلبية الاحتياجات الفورية لأصحاب المصلحة الرئيسيين مع تحمل مسؤوليتهما في تطوير المواهب المحلية.
وأبعد من الحوكمة و في المرحلة القادمة، هناك تبرز فرصة إضافية متاحة أيضاً أمام الشركات المدرجة في المنطقة حيث تأتي باتت حوكمة الشركات والمسؤولية الاجتماعية والبيئية(ESG) في طليعة جداول أعمال أصحاب المصلحة. وتتخذ المملكة العربية السعودية خطوات ملموسة لضمان ريادتها للمعايير البيئية والاجتماعية العالميةعالميا عبر إطلاق “مبادرة السعودية الخضراء”، مع التزامها بخفض انبعاثات الكربون بمقدار 278 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030 بهدف تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060. وأصبحت “تداول السعودية” في العام 2018 عضواً في مبادرة الأمم المتحدة لأسواق المال المستدامة. كما أصدرت السوق المالية السعودية إرشادات إفصاح متعلقة بالمعايير البيئية والإجتماعية والحوكمة لدعم لمساعدة الشركات المدرجة وزيادة الوعي بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في السوق المالية السعودية.
وتثبت زيادة القيمة السوقية للسوق المالية السعودية إلى أكثر من 10 تريليونات ريال سعودي والزيادة الكبيرة في المستثمرين الأجانب المؤهلين منذ دخول اللوائح التنظيمية الجديدة حيز التنفيذ في عام 2018، أنه تم اتخاذ الخطوات الصحيحة، وبالتالي باتت تمنح زخماً دافعا للجهات الرقابية التنظيمية لمواصلة اتخاذ التدابير الرائدة لضمان استمرار النمو في السوق المالية.
وقد حققت علاقات المستثمرين إنجازات مهمة على مدى السنوات الـ 15 الماضية، لكن لا يزال أمامها الكثير لتحققه في رحلتها نحو أفضل الممارسات. وتماشياً مع النمو الهائل للأسواق المالية، باتت مجالس الإدارة في جميع أنحاء المنطقة تدرك أهمية علاقات المستثمرين للحفاظ على القيمة. ومع الضغط الإضافي لتبني المعايير البيئية والإجتماعية والحوكمة، فإن القدرة على التكيف مع التغيير واستخدام الموارد المناسبة المتاحة من العوامل المهمة في ترسيخ الدور القيادي للمملكة العربية السعودية في الأسواق المالية العالمية، والوجهة الاستثمارية المفضلة في الأسواق الناشئة.